تُنسب القصيدة الزينبية للإمام علي بن أبي طالب في عدة مصادر، بينما يرجح الكثير من رواة الشعر ومؤرخي الأدب نسبتها إلى الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، وقد وردت القصيدة في ديوانَي كل منهما، باختلاف يسير.

والقصيدة في الأصل لصالح بن عبدالقدوس كما جاءت في مطلع كتاب لإعلام الناس فيما وقع للبرامكة مع بن العباس: ص3-6.بولاق سنة 1280هـ، والذي يدفع إلى القول بعدم صحة قول الإمام هذه القصيدة أنها بلغت سبعين بيتًا، والصحيح أن الإمام علي لم يقل قصيدة أطول من عشرة أبيات.

وتقع القصيدة الزينبية في خمسة وستين بيتًا، وسميت بالزينبية نسبة لمطلعها حيث يرد اسم زينب.

صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ
والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ

نَـشَرتْ ذوائِبَها التي تَزهـو بـها
سُـوداً ورأسُك كالثُّغامَةِ أشيَبُ

واستـنفرتْ لـمّا  رأتْكَ وطـالما
كانتْ تحنُّ إلى لقاكَ وتَـرغبْ

وكـذاكَ وصـلُ الغانياتِ فـإنـه
 آل بـبـلقَـعَةٍ وبَـرْقٌ  خُلَّبُ

فـدَّعِ الصِّبا فلـقدْ  عـداكَ زمانُهُ
وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَبُ

ذهـبَ الشبابُ فما  له منْ عـودةٍ
وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ

ضيف ألم إليك لم تحفل به
فترى لهُ أسفًا ودمعًا يسكبُ

دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
واذكُـر ذنوبَكَ وابِكها يا مُذنبُ

واخش مناقشة الحسابِ فإنهُ
لا بَدَّ يُحصي مـا جنيتَ ويَكتُبُ

لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب

والروح فيك وديعةٌ أودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلب

وغرور دنياك التي تسعى لها
دار حقيقتها متاع يذهب

والليلُ فاعلم والنهار كلاهما
أنفاسنا فيها تعد وتحسب

وجميعُ ما حصلته وجمعته
حقا يقينا بعد موتك ينهب

تبًّا لدار لا يدوم نعيمها
ومشيدها عما قليل يخرب

فاسْمع هُدِيتَ نصائحًا أولاكها
بر لبيــــب عاقــــل متـــادب

صُحِبَ الزمان وأهله مستبصرا
ورأى الأمور بما تؤوب وتعقب

أهدى النصيحة فاتعظ بمقالة
فهــو التقـي الــوذعي الأدرب

لا تأمن الدَّهر الصروفَ فإنه
لا زال قِدْمًا للرجال يهذب

وكذلك الأيامُ في غُدُواتها
مرت يذل لها الأعز الأنجب

فعليك تقوى الله فالزمْها تفزْ
إنّ التقي هو البهي الأهيب

واعملْ لطاعتِهِ تنلْ منه الرضا
إنّ المطيعَ لربّه لمقرب

فاقنع ففي بعض القناعة راحة
واليأس مما فات فهو المطلب

وإذا طمعتَ كسيت ثوب مذلة
فلقد كسي ثوب المذلة أشعب

وتوق من غـــدر النساء خيانة
فجميعهن مكائد لك تنصب

لا تأمن الأنثى حياتك إنها
كالأفعوان يراع منه الأنيب

لا تأمن الأنثى زمانك كله
يوما ولو حلفت يمينًا تكذب

تغري بطيب حديثها وكلامها
وإذا سطت فهي الثقيل الأشطب

واجــه عــــــدوك بالتحية لا تكــــن
منــه زمانــك خائفًـــــا تترقــــب

واحذره يوما إن أتى لك باسمًا
فالليث يبدو نابه إذ يغضب

إن الحقود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصدور مغيب

وإذا الصــديق رأيته متعلقًا
فهو العــــدو وحقه يتجنب

لا خير في ود امريء متملق
حلو اللسان وقلبه يتلهب

يلقاك يحلف أنه بك واثق
وإذا توارى عنك فهو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب

واختر قرينك واصطفيه تفاخرًا
إن القرين إلى المقارن ينسب

إنّ الغني من الرجال مكرم
وتراه يرجى ما لديه ويرهب

ويبش بالترحيب عند قدومه
ويقام عند سلامه ويقرب

والفقر شــــين للرجــــال فإنه
يزري به الشهم الأديب الأنسب

واخفض جناحك للأقارب كلهم
بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبًا
إنّ الكذوب لبئس خلا يصحب

وذر الحسود ولو صفا لك مرة
أبعده عن رؤياك لا يستجلب

وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن
ثرثارة في كل ناد تخطب

واحفظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسان ويعطب

والسر فاكتمــه ولا تنطق بــه
فهو الأسير لـديك إذ لا ينشب

واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعد التنافر يصعب

إنّ القلوب إذا تنافر ودها
شبه الزجاجة كسرها لا يشعب

وكذاك سر المرء إن لم يطوه
نشرته ألسنة تزيد وتكذب

لا تحرصن فالحرص ليس بزائد في
الرزق بل يشقى الحريض ويتعب

ويظل ملهوفًا يروم تحــيلا
والرزق ليس بحيلة يستجلب

كم عاجز في الناس يوتى رزقه
رغدًا ويحرم كيس ويخيب

أدي الأمانة، والخيانة فاجتنب
واعدل ولا تظلم فيطيب المكسب

وإذا بليت بنكبة فاصبر لها
أو قد رأيت مسلمًا لا ينكب

وإذا أصابك في زمانك شدة
وأصابك الخطب الكريه الأصعب

فالجأ لربك إنه أدنى لمن
يدعوه من حبل الوريد وأقرب

كن ما استطعت عن الأنام بمعزل
إن الكثير من الــورى لا يُصحب

واجعل جليسك سيدًا تحظى به
حبر لبيب عاقل متأدب

واحذر من المظلوم سهمًا صائبًا
واعلم بأن دعاءه لا يحجب

وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة
وخشيت فيها أن يضيق المكسب

فارحل فأرض الله واسعة الفضا
طولاً وعرضا شرقها والمغرب

فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي
فالنصح أغلى ما يباع ويوهب

خذها إليك قصيدة منظومة
جاءت كنظم الدر بل هي أعجب

حكم واداب وجل مواعظ
أمثالها لذوي البصائر تكتب

فاصغ لوعظ قصيدة أولاكها
طود العلوم الشامخات الأهيب

أعني عليا وابن عم محمد
من ناله الشرف الرفيع الأنسب

يا رب صل على النبي واله
عدد الخلائق حصرها لا يحسب


المراجع:
  • ديوان الإمام علي – جمع وتعليق: أ.د. أحمد أحمد شتيوي